- أحاديث رمضان
- /
- ٠18رمضان 1435 هـ - خواطر إيمانية
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
النّصر بيد الله فقط :
أيها الأخوة الكرام ؛ بادئ ذي بدء : أتمنى عليكم أن تدعوا جميعاً من قلوبكم ، ومن أعماق قلوبكم إلى إخوتكم في غزة ، يواجهون حرباً أرجو الله سبحانه وتعالى أن ينتصروا فيها .
على كلٍّ الحقيقة الدقيقة أن الله سبحانه وتعالى بيده النصر ، وهو يقول :
﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾
فالصيغة صيغة حصر وقصر ، إذا جاء بالنص نفي واستثناء ، صار هناك حصر وقصر :
﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾
﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ ﴾
والحرب بين حقين لا تكون ، الحق لا يتعدد ، وبين حق وباطل لا تطول إن شاء الله، وبين باطلين لا تنتهي .
حاجة النصر إلى إعداد كامل :
أخواننا الكرام ؛ النصر المؤزر يسعدنا جميعاً ، وهناك إشارة قرآنية دقيقة جداً حينما انتصر المسلمون ، الله عز وجل قال :
﴿ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ﴾
معنى ذلك إذا كان هناك عدوان هناك من يقابل هذا العدوان بمرض نفسي ، فإذا جاء النصر :
﴿ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ﴾
لكن هذا النصر الذي نتطلع إليه جميعاً ، وهو يسعدنا كثيراً له قوانين ، والذي أتمناه دائماً أن تتعامل مع الله بقوانينه ، القوانين لا تخرق لا لي ولا لك ، تخرق بشكل استثنائي للأنبياء ليكون خرق القوانين شهادة الله لهم أنهم أنبياء ، أما أنت فلن تصل إلى النصر بلا أسباب ، من أسباب النصر ، قال تعالى :
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾
الحقيقة
﴿ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾
لا تعني بذل بعض الاستطاعة ، تعني قطعاً بذل كل ما تستطيع
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾
أما
﴿ مِنْ قُوَّةٍ ﴾
القوة جاءت نكرة ، وهذا التنكير تنكير شمول ، أي الإعلام قوة ، والتواصل فيما بيننا قوة ، والتعاون قوة ، والسلاح قوة ، والعتاد قوة ، وأن نعرض قضيتنا في العالم قوة ، القوى لا تعد ولا تحصى ، والآية جاءت :
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾
لكن أريد أن أقول ، ولا أعني الحاضر أعني الماضي : إذا رمزنا إلى الحق بالشمس وإلى الباطل بالظلام الدامس ، أقول لكم صادقاً : الذي يعمل في الظلام الدامس ينتصر على النائم في ضوء الشمس ، الحق معنا ، نحن أمة التوحيد ، أمة الوحيين ، فإن لم نعدّ لهم ينتصرون علينا وفق القوانين الإلهية .
فلذلك كل مؤمن ، وكل مسلم ، يجب أن يبذل شيئاً ، أحياناً ماله ، أحياناً علمه، أحياناً خبرته ، أحياناً عضلاته .
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾
لكن الشيء المؤلم جداً جداً أن العالم الإسلامي يملك نصف ثروات الأرض بالتمام والكمال ، وعوامل الوحدة في العالم الإسلامي تفوق أي عوامل في التاريخ ، آلام ، وآمال ، ولغة ، ودين ، إلى آخره ، ومع ذلك متفرقون ، وليست كلمتهم هي العليا .
الإسلام منهج تفصيلي كامل :
أنا أقول هذه الآية ، هذا كلام الله :
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾
وزوال الكون عند الله أهون من ألا يحقق وعوده للمؤمنين ، نحن بالحقيقة المرة لسنا مستخلفين .
﴿ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ﴾
وديننا الإسلامي غير ممكن وهي الحقيقة المرة الثانية ، بل يواجه حرباً عالمية ثالثة كانت تحت الطاولة ، واليوم فوق الطاولة ، جهاراً ، نهاراً .
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ﴾
أي دين وعد بتمكينه ؟ بحسب نص الآية ليس أي دين ، أحياناً نفهم الدين حفلات ولقاءات ، وأناشيد ، وطرب ، وسياحة ، أحياناً نفهم الدين مظاهر ، تدخل للبيت تجد آية الكرسي بالصدر ، تدخل للسيارة هناك مصحف ، لكن صاحب البيت ، وصاحب السيارة ، لا يطبقون أحكام الدين ، فإذا كان ديننا شكلياً ، دين فلكلوري ، دين مظاهر ، دين عادات وتقاليد ، دين اجتماعات ، ليس هذا الدين الذي أراده الله ، الدين الذي أراده الله أن تخضع له ، تدين له ، أن تخضع له في كل نشاطات حياتك ، هناك فهم سقيم ومرضي للدين ، يفهم أن الدين أداء العبادات الشعائرية ، الصلاة عبادة شعائرية ، والصوم عبادة شعائرية ، والحج عبادة شعائرية ، والزكاة عبادة شعائرية ، والنطق بالشهادة عبادة شعائرية ، هذه عبادات شعائرية ، النبي الكريم قال :
(( بُنِي الإسلامُ على خَمْسٍ ))
الإسلام غير هذه العبادات ، الإسلام منهج تفصيلي يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية ، الإسلام منهج فيه كيف تكسب المال ، وكيف تنفقه ، وكيف تختار زوجتك، وكيف تربي أولادك ، وكيف تختار حرفتك ، وكيف تختار أصدقاءك ، وماذا تعمل في أوقات الفراغ، منهج تفصيلي يصل إلى عشرات بل مئات الألوف ، بدءاً من أخصّ خصوصياتك من فراش الزوجية ، وانتهاء بالعلاقات الدولية :
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾
آية صريحة واضحة وضوح الشمس ، أي مستحيل وألف ألف مستحيل أن نعذب ، مادام النبي فينا ، ما معنى فينا بعد انتقاله للرفيق الأعلى ؟ ما دامت سنته قائمة فينا وما دمنا مطبقين لمنهج رسول الله لن نعذب .
قواعد النّصر :
الحقيقة الدقيقة أن العالم الاسلامي في عصره الحديث أصيب بنكسات متتابعة ، أورثته ثقافة مؤلمة جداً ، أنا سميتها ثقافة اليأس والإحباط والطريق المسدود ، هذه الثقافة من خصائصها أنها لا تصدق نصراً حقيقياً ، يقول لك : تمثيلية ، يكون النصر حقيقياً يقول لك : تمثيلية ، فثقافة اليأس والإحباط والطريق المسدود أورثت ثقافة اليأس ، أنا أرى أن الله جل جلاله أراد أن ينعشنا ، هذه الثقافة منتشرة في العالم الاسلامي ، يقول لك : انتهينا ، لن تقوم لنا قائمة ، مع أن العالم الاسلامي يملك نصف ثروات الأرض ، وعوامل الوحدة بينه تفوق حدّ الخيال ، ومع ذلك هذا خطأ كبير ، أنا أتألم أشدّ الألم أن أعداءنا يتعاونون تعاوناً مذهلاً ، وبينهم خمسة بالمئة قواسم مشتركة ، والمسلمون يتقاتلون والدماء تجري في بلادهم ، وبينهم خمسة و تسعون بالمئة قواسم مشتركة ، هي حقيقة مرة ، ومؤلمة جداً ، فلذلك الله جعل للنصر قواعد ، قال :
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾
والاستخلاف قانون
﴿ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾
البند الثاني : نحن لسنا مستخلفين ، حقيقة مرة
﴿ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ﴾
وديننا الاسلامي غير ممكن ،
﴿ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ﴾
الملمح الدقيق : أي دين وعد بتمكينه ؟ الدين الذي يرتضيه لنا ، فإذا لم يمكن الدين الذي فهمناه على نحو معين ، معنى ذلك أن الله لن يقبل فهمنا لهذا الدين .
﴿ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾
آخر كلمة المفتاح عندها ، قال :
﴿ يَعْبُدُونَنِي ﴾
فإذا أخلّ المسلمون بالكلمة الأخيرة ، بالعبادة ، فالله جلّ جلاله في حلّ من وعوده الثلاثة ، وهذا واقعنا لكن أنا لا أحب أن يخرج الإنسان من اللقاء الديني بحالة يأس ، أنا أقول : هذا الدين دين جماعي وفردي ، أي واحد منكم يطبقه يقطف كل ثماره الفردية ، فإن طبقته الأمة تقطف كل ثماره الجماعية .
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي ﴾
معاناة الأمة الإسلامية من امتحان صعب :
لكن هناك ملمحاً لا يصدق ، لكنه وقع : سيدنا خالد كان بغزوة خطيرة جداً ، طلب من سيدنا الصديق ثلاثين ألف رجل كدعم ، ثلاثون ألفاً , معه آلاف محدودة واجه ثلاثين ألفاً ، طلب المدد ، ما قولك ؟ سيدنا الصديق بعث له المدد إنساناً واحداً فقط ، أرسل له القعقاع بن عمرو ، شيء لا يصدق ، إنسان يطلب يطلب ثلاثين ألفاً ، وعلى مشارف الهزيمة ، والجيش الفارسي عدده كبير جداً ، أرسل له واحداً ، الحقيقة أنه صعق ، لكن معه كتاباً فتح الكتاب ، يقول : " والذي نفس محمد بيده لجيش فيه القعقاع لا يهزم " وانتصروا ، فأنا أقول : واحد كألف ، وألف منا كأف ، ألف كأف ، إذا الإنسان لم يكن عنده رسالة ، فهو ليس بمأمن في الآخرة ، هل سمعت بحياتك بالعالم الاسلامي الذي يقدر بمليار و سبعمئة مليون أن إنساناً مسلماً قال : لا يوجد آخرة أبداً ؟؟ لا ، لكن كل إنسان لا يستقيم ، هو يكذب الآخرة تكذيباً عملياً ، كيف ؟
إنسان زار طبيباً فقام الطبيب بفحصه ، وصف له وصفة ، فالمريض صافح الطبيب بقوة ، وشكره شكراً بليغاً ، وتمنى له التوفيق ، لكن لم يشترِ الدواء لأنه لم يقتنع بالطبيب ، و لم يتكلم بأية كلمة ، بالعكس صافحه ، وشكره ، لكن لأنه لم يشتر الدواء معنى ذلك أنه لم يصدقه ، فأنت إذا قلت لأحدهم : على كتفك عقرب ، وبقي هادئاً ، مرتاحاً ، ثم قال له : شكراً جزيلاً على هذه الملاحظة وأرجو الله أن يمكنني من أن أرد لك جميلك ، فهو لم يفهم شيئاً مما قلت له .
أخواننا الكرام ؛ نحن بظرف عصيب ، ونحن بامتحان يسمى في العالم الغربي : نكون أو لا نكون ، قد تنهار هذه الأمة كلياً ، لكنني أرجو الله تعالى ألا يكون ذلك ، العالم كله يحارب هذا الدين ، بأكمله ، شماله ، وجنوبه ، وشرقه ، وغربه ، واليميني ، واليساري ، يحاربون هذا الدين وهذا أنبأ عنه النبي الكريم في أحاديثه عن قيام الساعة .
على كلّ إنسان الإسهام في الدفاع عن الإسلام و الأمة الإسلامية :
على كلّ أنت واحد لكن بدعائك لإخوانك بغزة ، بدعائك وأحياناً ببكائك ، وأحياناً بتمنياتك تكون قد ساهمت بشيء ، وأحياناً بمالك ، أي لابد من أن تتحرك حركة ، والله عز وجل كرمنا بانتصارات مذهلة سابقاً ، من يصدق أن دولة عربية صنعت طائرة ، طائرة ترصد تل أبيب ، والصواريخ تأتي بالأماكن الدقيقة جداً ، أي إحداثياتها مذهلة ، هناك تفاصيل أنا سمعتها ليست معقولة إطلاقاً ، فالله عز وجل وفقهم ، وأنا والله ثقتي بالله أنهم سينتصرون ، والله لكن ندعو لهم من أعماق أعماق قلوبنا ، ونحن نحاول أن نقدم شيئاً ، إما الدعاء ، أو البكاء ، أو التمنيات ، أو الدعم المالي ، لأن أحياناً منطقة معينة بالعالم الاسلامي تقاتل نيابةً عن المسلمين جميعاً ، والله لا أبالغ ، ونحن في الشام نقاتل دفاعاً عن الاسلام في العالم كله ، حرب عالمية ثالثة معلنة على الاسلام ، فهذا الأمر عصيب ، لكن الشيء الذي يخفف أن هناك آخرة ، وهناك جنة للأبد ، فالدنيا دار ابتلاء.
(( إن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء ، ومنزل ترح لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء ، ولم يحزن لشقاء ، قد جعلها الله دار بلوى ، وجعل الآخرة دار عقبى ، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً ، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضا ، فيأخذ ليعطي ، ويبتلي ليجزي))
أخواننا الكرام ؛ أرجو الله سبحانه وتعالى ، أن ينصر أخوتنا في غزة نصراً مؤزراً على عدوهم ، وأرجو الله سبحانه وتعالى أن يثبت قلوبهم ، وأن يرحم ضعفهم ، وأن يقوي أرادتهم ، ولعل الله سبحانه وتعالى يسمعنا أخباراً طيبة إن شاء الله في القريب العاجل .